يؤكد العديد
من الأطباء أن ما لا يقل عن 60 بالمائة من المرضى الذين يقصدونهم قصد
الاستشارة والمساعدة يعانون أصلا من حالات عاطفية بالرغم من وجود بعض
الأعراض العضوية أحياناً.
كيف يتسنى لنا معرفة ما إذا كانت مشاكلنا ذات طبيعة عضوية أم عاطفية؟
وما الذي يمكننا عمله لمساعدة أنفسنا في استعادة حيويتنا وعافيتنا؟
هذا ما سنحاول التطرق إليه في هذا الموضوع من خلال عرض الطرق المساعِدة على
التعامل بإيجابية مع الأفكار الجامحة والإنحرافات النفسية الجانحة التي
تتسبب في آلام جمة ومعاناة لا تنتهي.
بإمكان الشخص أن يتأكد من طبيعة مرضه بالحصول على فحص شامل من طبيب أخصائي
ضليع، إذ باستطاعة الطبيب تشخيص حالته وتحديد المشكلات الصحية في حال
وجودها.
في حال وجود الحالة يتم عادة التعرّف على السبب. أما في حال عدم وجود سبب
واضح فيمكننا التخمين عندئذ أن الشخص بحاجة إلى تحليل نفسي بدني (عقلي
جسماني psychosomatic)، بما معناه أن العقل ربما يكون قد لعب دوراً في
إزعاج الجملة العصبية التي سببت بدورها ردة فعل الجسد.
قد يسأل متشكك: هل هذا معقول؟
وهل بالإمكان إثبات التأثير المباشر للعقل على الجسم؟
فلنقم بتجربة بسيطة ونبدد مرة وإلى الأبد أية شكوك تتعلق بتأثير العقل على
الجسم، لدرجة أنه يسبب أمراضاً خطيرة بل ومميتة في بعض الأحيان.
الرجاء أن تحصروا انتباهكم في الحلق محاولين تذكـّر الإحساس الذي اختبرتموه
عندما قضمتم ومضغتم بعض حبات حصرم أو شرائح ليمون حامض أو مخلل اللفت.
تصوروا كيف تتفاعل اللثة مع الإحساس الحريّف في الحلق!
هل فاض الريق وتحلـّبت الأفواه؟
ألا تشعرون بنفس الإحساس الذي اختبرتموه عندما تذوقتم تلك الحوامض؟
وباختصار ألا يمكننا القول أن مجرد قراءتكم لهذه الكلمات والتفكير بالحصرم
أو المخلل أو الليمون الحامض قد أحدث ردود فعل عصبية أحدثت بدورها استجابة
غددية فيزيقية؟
والآن لنسأل أنفسنا ثانية: "هل يؤثر العقل بالجسم تأثيراً مباشراً؟"
وما عسى أن يكون الجواب؟
بكل تأكيد "نعم."
وعلى ضوء تجربتنا البسيطة هذه وما "استدرّته" من نتائج يمكننا الإتفاق على أن أفكار الشخص تؤثر فعلاً بجسمه المادي.
تجربة مع الغضب:
أجرى بعض الأطباء المشهورين تجربة على متطوع في مختبر. فطلبوا منه أن
يستغرق في حديث مشحون يسمّ البدن، يعكـّر المزاج ويوغر الصدر بأحاسيس الغضب
والكراهية. فما كانت النتيجة على جسم صديقنا المتطوع بفعل هذا الهيجان
العاطفي المحتدم؟
لقد لاحظ الأطباء أنه خلال احتدام نوبة الغضب أصبح لون أنسجة معدته أحمراً وهّاجاً وتفاعلت عضلات المعدة بشكل عنيف.
ولو استمرت هذه الحالة فلربما تسببت بسهولة بالنزيف والقرحة المعوية وبشهور
وسنين طويلة من المعاناة والأوجاع. ولا يتسع المجال لذكر حالات مشابهة.
غير أن تجارب المفكرين التقدميين في ميدان علم النفس والتحليل العقلي
الجسماني تشير إلى أن معظم "المرضى" سيتمكنون مستقبلاً من معالجة أنفسهم
والإحتفاظ بعافيتهم بقوة العقل.
عندما يتمكن العقل الواعي من الرؤية بصفاء ويصبح قادراً على تقييم الحالات
العاطفية بهدوء وموضوعية سيتمكن صاحبه عندئذ تلقائياً من تصحيح الوضع
بنفسه.
إن دور المرشد النفساني في مثل هذه الحالات يكمن في مساعدة المريض
(بالوهم) على التأكد بنفسه من أن السبب الفعلي لمرضه موجود أساساً في عقله.
إن عامل الزمن والصبر والتصور الدقيق للحالة النفسية.. كلها مجتمعة تفعل
الأعاجيب في علاج الحالات العاطفية والأمراض النفسانية. هذه الحقيقة يؤكدها
ويؤيدها علماء بارزون عاكفون على دراسة جادة للطب النفساني والتحليل
العقلي الجسماني.
كل عام وأنتم بخير
والسلام عليكم