Admin Admin
المساهمات : 346 تاريخ التسجيل : 20/12/2012
| موضوع: عنوان الكتاب: نحو نظام نقدي عادل الجمعة يناير 25, 2013 1:43 pm | |
| المؤلف: الدكتور محمد عمر شابرا الناشر: المعهد العالمي للفكر الإسلامي، هيرندن، فيرجينيا، الولايات المتحدة الأمريكية، الطبعة الثانية، 1992، (401 صفحة).
هل يمكن إبطال الربا في الاقتصاد الحديث؟ هذا هو موضوع البحث المتميز للدكتور محمد عمر شابرا في كتابه: نحو نظام نقدي عادل: دراسة للنقود والمصارف والسياسة النقدية في ضوء الإسلام، الحائز على جائزة الملك فيصل العالمية، والصادر ضمن "سلسلة إسلامية المعرفة" للمعهد العالمي للفكر الإسلامي عام 1987. وتميز هذا الكتاب يكمن في كونه أول معالجة إسلامية شاملة ومتكاملة لمشكلة الربا، وكيفية إلغائه وإبطاله من الاقتصاد الحديث بطريقة علمية، وربطه ببقية عناصر النظام الإسلامي الأخلاقية والاجتماعية والثقافية. لقد مر البحث الاقتصادي الإسلامي في هذا المجال -مثلما أشار إلى ذلك خورشيد أحمد في مقدمة الكتاب- بمراحل ثلاث: الأولى: بدأت منذ أواسط الثلاثينيات ببداية الصحوة الإسلامية الحديثة، حيث بدأ مفكرو الصحوة وعلماؤها في مواجهة المشكلات الاقتصادية والاجتماعية المعاصرة، ووجهوا اهتمامهم إلى مشكلة الفائدة الربوية. وعلى الرغم من تناولهم لهذه القضية دون أن يتعمقوا فيها، إلا أنهم أفلحوا في إبراز الموقف الإسلامي والدفاع عنه، ودعوة المجتمع إلى تغيير المؤسسات الاقتصادية لتتوافق مع مبادئ الشريعة الإسلامية وأحكامها. المرحلة الثانية: كانت مع بداية السبعينيات حيث توجه اهتمام رجال الاقتصاد المسلمين إلى التفكير في البديل الإسلامي للبنوك الربوية. فبدأ التحليل الاقتصادي لحكمة تحريم الربا، وتعينت المحددات الرئيسية لشكل النظام البديل للأعمال المصرفية والمالية الخالية من الربا. وتعددت المؤتمرات والندوات حول الاقتصاد الإسلامي في جانبه النقدي والمصرفي. ولعل أهم إسهام فكري وعملي في هذا المجال ما قدمه مجلس الفكر الإسلامي الباكستاني في تقرير أعدته مجموعة من الخبراء الاقتصاديين والمصرفيين حول كيفية إلغاء الفائدة من الاقتصاد، وهو أول برنامج شامل ومنظم لإلغاء الربا من الاقتصاد الحديث، وأول محاولة لتطوير نموذج اقتصادي بلا فائدة.2 وأما المرحلة الثالثة: فتبدأ مع مطلع الثمانينيات، حيث بدأ الانتقال من النظرية إلى التطبيق، ومن التصور إلى الممارسة، وانتشرت حركة البنوك والمصارف الإسلامية حتى أصبح هناك حوالي أربعين مصرفاً ومؤسسة مالية واستثمارية تعمل على غير أساس الفائدة في العالم، منها اثنتان تعملان على أساس متعدد الجنسيات (البنك الإسلامي للتنمية، ودار المال الإسلامي). ومع بداية التسعينيات يدخل الاقتصاد الإسلامي مرحلته الرابعة التي تتمثل -في رأي خورشيد أحمد- في البحث عن مزيد من التصفية والتطوير: تصفية النظرية، وتطوير الممارسة، وتقويم المؤسسات الناشئة على محل الأهداف المرسومة. وفي نظر خورشيد أحمد فإنه بقدر ما كان تقرير مجلس الفكر الإسلامي الباكستاني بشأن إلغاء الفائدة من الاقتصاد تتويجاً للمرحلتين الثانية والثالثة، فإن بحث الدكتور عمر شابرا هو إعلان عن بداية المرحلة الرابعة. من هنا تأتي قيمة هذا الكتاب ومكانته في البحث الاقتصادي الإسلامي المعاصر، فهو أول دراسة شاملة للنظام النقدي الإسلامي، وأول معالجة متكاملة للبديل الإسلامي في مجال النقود والمصارف. وهو قبل ذلك وبعده، دليل عملي لتحويل الاقتصاد الربوي إلى اقتصاد إسلامي قائم على المشاركة بدل الفائدة. كيف ذلك؟ إشارات الخطر يستهل الكاتب بحثه بتحليل جذور الأزمة في الاقتصاد الحديث، حيث يرى أنه من "الخطأ البحث عن مصدر الأزمة في أعراضها الظاهرية وهي: الاختلالات الهائلة في الموازنات، والتوسع النقدي المفرط، والعجز الكبير في موازين المدفوعات، وعودة اتجاهات الحماية..، فتكون النتيجة أن تصبح وسائل العلاج المعتمدة كالمسكنات، تخفف من حدة الأزمة تخفيفاً مؤقتاً فحسب، لتعود هذه الأزمة إلى الظهور بعد زمن قصير أكثر عمقاً وأشد خطورة" (ص 28). والأقطار الإسلامية لا تختلف، في نظر شابرا، "عن غيرها في هذا الباب، فهي تواجه نفس المشكلات التي تواجهها الأقطار الأخرى، ذلك بأنها تقلد الغرب تقليداً أعمى في كل شيء، وترتكب نفس الخطأ في اعتبار الأعراض فقط، وليس فيها أي جهد جاد لمعرفة المصدر الأساسي لمشكلاتها، واختيار استراتيجية ملائمة لحل هذه المشكلات في ضوء قيمها الخاصة ومعتقداتها" (ص 28). وتبدو جذور الأزمة في نظر الكاتب من منظور إسلامي أعمق من ذلك بكثير، ولا يمكن حل المشكلات من خلال تغييرات تجميلية سطحية، بل هناك حاجة إلى إصلاح شامل. فتحت وطأة الانحلال الخلقي المستمر وسيادة النـزعة الاستهلاكية اختل التوازن في التصرفات والميول، وأصبحت تلبية الحد الأقصى من الرغبات من خلال معدل "مرتفع" للنمو الاقتصادي، هي الهدف الأول للحياة في أنحاء العالم كافة. وتم توجيه الجهاز الإنتاجي كله توجيهاً كاملاً لتحقيق هذا الهدف بغض النظر عما إذا كانت هذه الرغبات ضرورية أو غير ضرورية للوفاء بالحاجات الإنسانية ولتحقيق الرفاه البشري العام. فهناك تشكيلة هائلة من الرغبات غير المشروعة، منها الإباحية، ومنها "الموضات الخاوية" من الهدف، والتغييرات غير الضرورية في "الموديلات". ويتم باستمرار تعزيز الرموز المزيفة للأبهة، والتنافس على الاستهلاك التفاخري، الذي يولد التوترات الاجتماعية بزيادة حدة التنافس غير الصحي لمجاراة سرعة استهلاك الجيران لسلع التباهي. وهكذا كانت النتيجة اتساعاً في الفجوة الاجتماعية والاقتصادية بين الأغنياء والفقراء. ولم تشبع تماماً بعض الحاجات الأساسية للفقراء كالغذاء والكساء والتعليم والصحة والسكن. وثارت مشكلات جديدة للفقراء بسبب التضخم وتلوث البيئة، وهذا ما زاد أحوالهم سوءاً. وبهذا أصبحت فكرة المعدل المرتفع للنمو الاقتصادي موضع هجوم من المفكرين الاقتصاديين والاجتماعيين. المأزق الاقتصادي يرى شابرا -تأسيساً على ذلك- أن المأزق الاقتصادي الذي يواجه الاقتصاد الحديث، نشأ نتيجة الدور السلبي الذي يمارسه النظام النقدي والمصرفي الذي ظل متواطئاً في إدامة النهم على الاستهلاك، وفي توسيع شهوة الاقتراض، وهذا ما أدى إلى تناقص معدلات الادخار، والتوسع في إصدار النقود. وقد نتج عن ذلك تسريع معدل التضخم الذي أصبح الآن واحدة من أكبر المشكلات التي يواجهها الاقتصاد العالمي. والمخرج الوحيد من هذا المأزق لا يتم إلا من خلال الترقية الخلقية للفرد على أساس عقيدة تغير نظرته الكلية للحياة وتحثه على التصحيح طبقاً لقيم خالدة معينة. ويتعين أن تعزز هذه العقيدة الأخوة الإنسانية بتحقيق المساواة الاجتماعية بين الأفراد كافة، وإزالة الظلم الاقتصادي والتوزيع غير العادل للدخل والثروة. ويضيف المؤلف أنه لا بد لهذه العقيدة من أن تكفل نظاماً اقتصادياً عادلاً وإحسانياً، يعيد للإنسان كرامته، ويؤمن له عملاً ومستوى معيشياً طيباً. يتعين على هذه العقيدة تهيئة التوازن بين الطلب على الموارد وعرضها، وأن توجه الموارد الوطنية كافة إلى إنتاج السلع والخدمات المطلوبة لتحقيق الإشباع "المتوازن" للحاجات الفردية والوطنية كافة دون تشجيع الإسراف أو توليد حالة تضخمية.
اقتصاد المستقبل والهدف الرئيس من الكتاب هو بيان ذلك في ضوء الإسلام. فللإسلام مزايا فكرية تمكنه من تقديم برنامج لحل عادل وعملي للمشكلات التي يواجهها الاقتصاد الحديث، وذلك بشرط توافر الإرادة السياسية الضرورية لغرس تعاليمه وإقامة إصلاحاته. إن التحدي الذي يواجه الأقطار الإسلامية بشكل خاص هو كيفية تصميم نظام نقدي ومصرفي، وتشغيله بشكل يتفق مع الشريعة الإسلامية، ويمحق الربا، ويساعد في تحقيق التنمية. ويخلص المؤلف من خلال تحليله للأزمة الاقتصادية الراهنة إلى أن اقتصاد المستقبل -إن أريد لهذه البشرية تحقيق الرفاه الحقيقي والقضاء على المظالم الاقتصادية والفوارق الاجتماعية- لن يكون سوى اقتصاد إسلامي. طبيعة الربا من أهم تعاليم الإسلام في إقامة العدالة وإزالة الاستغلال في المعاملات تحريم كل مصادر الإثراء غير المشروع. ويعتقد الكاتب أن أحد المصادر الخطيرة للكسب غير المشروع الحصول على أي كسب نقدي في صفقة من الصفقات بدون تقديم قيمة مقابلة معادلة له. وليس الربا إلا مصدراً بارزاً للكسب غير المشروع. وقد حلل المؤلف في ملحق خاص طبيعة الربا وأنواعه وحكمة تحريمه بين كيف أن الربا ليس مصدراً للظلم الاجتماعي فحسب، بل هو أيضاً سبب في سوء تخصيص الموارد، وفي نمو ضال، وفي الاضطراب الاقتصادي، وعدد آخر من المشكلات الاقتصادية. والربا في الشرع وفي الاصطلاح يعني الزيادة التي يشترط المقرض على المقترض دفعها مع أصل القرض لأجل إقراضه أو لزيادة مدته. وبهذا المعنى يكون للربا مدلول الفائدة نفسه بإجماع فقهاء الإسلام كلهم بلا استثناء. وللربا في الشرع معنيان: 1. الأول ربا النسيئة ويسمى أيضاً ربا الديون، أو الربا المحرم لذاته، أو الربا الجلي. وينطبق على فائدة الدين. وهو الربا الذي عناه الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله: "لا ربا إلا في النسيئة."3 وتحريم ربا النسيئة يعني أساساً أن التحديد المسبق لعائد إيجابي على القرض مكافأة في مقابل الانتظار أمر لا يقبله الإسلام. 2. والثاني هو ربا الفضل: ويسمى ربا البيوع، أو الربا المحرم تحريم وسائل، أو الربا الخفي. ويتوسع المؤلف في تحليل مفهوم هذا الضرب من الربا، لأنه بالمعنى الاصطلاحي هو الزيادة في مبادلة المتجانسين يداً بيد. والحكمة من تحريم ربا الفضل هي أن الإسلام لا ينشد إبطال الاستغلال الموجود في مؤسسة الفائدة فحسب، بل ينشد إبطاله أيضاً من كل أشكال المبادلات التجارية، تلك الأشكال التي يشملها ربا البيوع أو ربا الفضل الذي تندرج فيه كل الصفقات الحاضرة التي يقوم فيها أحد الطرفين بالدفع النقدي والآخر بالتسليم الفوري للسلعة. وقد ذهب بعض الفقهاء إلى التمييز بين ربا البيوع وربا الفضل، لأن الأول شامل لربا الفضل وربا النساء معاً. وربا النساء في الاصطلاح هو غير ربا النسيئة، فالأول في البيع والثاني في القرض. والحقيقة أن الأحاديث الواردة في شأن ربا البيوع قد قررت قواعد المبادلة العادلة، فلا تتم العدالة في مبادلة المتجانسين إلا إذا اتحد النوع (مثلاً بمثل) والكم (سواء بسواء) والزمن (يداً بيد). ولما كان الظلم المرتكب في الربا قد يشمل المبادلات التجارية، فإن ربا الفضل يتناول كل هذه الضروب من الظلم والاستغلال. الأمر الذي يتطلب منع التلاعب والغرر والمضاربة واحتكار البيع والشراء. لذلك تم حظر عدد من البيوع غير الشرعية في الشريعة الإسلامية بغرض المحافظة على حق المشتري والبائع، من ذلك: النجش (وهو التلاعب والتواطؤ)، وغبن المسترسل (غش الزبون الساذج)، وبيع الحاضر للبادي، وتلقى الركبان (وهو يتضمن التواطؤ على احتكار الشراء أو البيع، أو الاستغلال بهدف خفض أو رفع الأسعار بما لا تسيغه ظروف السوق)، والغرر، والمحاقلة والمنابذة والملامسة والمزابنة، وهي كلها بيوع تنطوي على جهالة أو مضاربة أو قمار. فكل هذه الإجراءات تهدف إلى منع أية ممارسة تجارية تؤدي إلى الاستغلال أو تقييد المنافسة الشريفة. البرنامج الإسلامي ويشتمل البرنامج الإسلامي في نظر الكاتب على معالجات ظرفية سريعة ومعالجات استراتيجية هيكلية وأساسية. ويتمثل الضرب الأول من هذه المعالجات في ضرورة إدخال بعض الإصلاحات الأساسية طبقاً للقيم التي يدعو لها الإسلام مثل الاعتدال في الإنفاق، والقضاء على الاكتناز، والفاعلية في استخدام المدخرات، وتجنب الهدر في استغلال الثروات... إلخ. أما الضرب الثاني فيشتمل على عدد من الخطوات ذات البعد الاستراتيجي التي يتعين اتخاذها لإحداث التحول والأسلمة التدريجية للاقتصاد. ويلخص المؤلف هذه الخطوات فيما يأتي: 1. زيادة نسبة التمويل بالمشاركة: وهذا يعني أن الالتزام بإلغاء الفائدة يعني أن كل العمليات المالية القائمة حالياً على أساس مزيج من أموال المشاركة والقروض بفائدة تصبح قائمة بالدرجة الأولى على التمويل بالمشاركة. وبالتالي يطلب من المنشآت الفردية والشركات أن تزيد قاعدة المشاركة زيادة مناسبة عن طريق زيادة رأس المال، أو قبول انضمام شركاء جدد لإشباع حاجاتهم الرأسمالية كافة. وحيثما كان ذلك مجدياً، يجدر بالشركات الكبرى أن تتحول إلى شركات مساهمة. وعلى جميع شركات المساهمة الموجودة أن تطرح أسهماً إضافية لاستخدام حصيلتها في تغطية سندات ديونها. 2. بعد توسيع قاعدة المشاركة بدل الفائدة الربوية يجب تنظيم مخزون النقود السوداء (الناجمة عن التهرب الضريبي) التي منفذها الوحيد عادة هو الهروب إلى الخارج أو الاستهلاك التفاخري، وجذبها إلى دائرة الاستثمار. 3. يجب إلغاء المزية التي تتمتع بها "الفائدة الربوية" من حيث اعتبارها نفقة قابلة للتنـزيل ضريبياً، ويجب إعادة النظر في قوانين الضرائب، وذلك بمعاملة مدفوعات الفائدة على قدم المساواة مع الأرباح الموزعة وغير الموزعة، يجب فرض الضرائب على الأرباح الإجمالية (غير الصافية) قبل دفع الفوائد. ومن المرغوب فيه فرض معدل على نصيب الفائدة من الدخل الإجمالي أعلى من المعدل المطبق على الأرباح، وذلك من أجل التحول السريع إلى هيكل تمويل قائم على المشاركة فقط. 4. ترشيد الهيكل الضريبي حتى لا يصبح مثبطاً ومعيقاً للاستثمار، أو يسهم في هروب رأس المال إلى الخارج، أو تحويل الأرباح إلى نقود "سوداء". لذلك فإن الاقتصاد الإسلامي لا يسمح بوجود هيكل ضريبي غير عادل يعاقب الأمناء ويحدث نزعة للتهرب من الضرائب. 5. تشجيع إنشاء مصارف الاستثمار وشركات توظيف الأموال لإتاحة الفرصة لرأس المال للقيام بالاستثمارات الضرورية في التجارة والصناعة، وذلك بتوفير فرص الاستثمار المربحة للمدخرين. 6. تقليل سلطة المصارف، وذلك بالحد من سيطرتها على العمليات المصرفية وتوجيهها الأموال إلى النشاطات غير المنتجة مثل المضاربات المالية وأعمال المصافق (البورصات). 7. تنظيم أكثر كفاءة للأسواق المالية، لمساعدة المنشآت التجارية على الوصول إلى المال دون صعوبة، وتقديم السيولة بالأوراق المالية والأسهم، وذلك من خلال كبح الحركات الشاردة وغير الصحية في أسعار تلك الأوراق، مثل المضاربة المخلة بالاستقرار والقائمة على الشراء والبيع الآجل للأوراق المالية وعلى التغطية بدون أية نية للتقابض الفعلي. إن المضاربين يقفون، في سوق الأوراق المالية، على طرفي نقيض مع المستثمرين الحقيقيين الذين يشترون ويبيعون مع التقابض. وعليه لا بد من إلغاء المشتريات بأسلوب التغطية وذلك لوضع حد للمضاربات المسعورة والمحافظة على صحة أسواق الأوراق المالية. إن إلغاء المضاربة المالية واتباع نظام شراء الأسهم نقداً تخدمان المصلحة العامة الكبرى في تثبيت صحة الأسواق المالية، وهو أمر مهم جداً لتشغيل الاقتصاد القائم على المشاركة تشغيلاً فعالاً. ولا شك في أن إبطال الربا في الاقتصاد من شأنه أن يقضي تدريجياً على أشكال المضاربة المالية غير المنتجة، وأن يحمي المستثمرين الحقيقيين، ويكبح الممارسات التجارية غير العادلة، ويقضي بالتالي على التلاعب بأسعار الأسهم من جانب السماسرة والوسطاء وكبار حملة الأوراق المالية. تلك هي أهم الخطوات الهيكلية والتغييرات الاستراتيجية التي يجب -في رأي محمد عمر شابرا- إدخالها لأسلمة الاقتصاد وإحلال المشاركة محل الربا، وتمهيد الطريق لإجراء الإصلاحات الرئيسة الأخرى. وبعد هذه الخطوات المنهجية ينتقل الكاتب إلى اقتراح مجموعة من المؤسسات اللازمة لإحداث هذا التحول، وإلغاء الربا من الاقتصاد، على أساس أن تلك المؤسسات تمثل الإطار التنظيمي الذي يضمن حصول التغييرات الأساسية المقترحة. ومع أن هذه المؤسسات -كما يشير الكاتب- قد لا تختلف ظاهرياً عن مؤسسات النظام الرأسمالي التقليدي، إلا أنها تختلف في جوهرها عنها، وذلك لأن أهداف هذه المؤسسات وآلياتها وسلطاتها ومداها ومسئولياتها تختلف اختلافاً كلياً عن مثيلاتها في إطار ذلك النظام. ويضم الإطار المقترح شبكة من المؤسسات المالية اللازمة مثل: المصرف المركزي، والمصارف التجارية، والمؤسسات المالية غير المصرفية، ومؤسسات الائتمان المتخصصة، وهيئة تأمين الودائع، وهيئة مراجعة حسابات الاستثمار. وقد ناقش المؤلف مجالات هذه المؤسسات ومسؤولياتها، واحدة تلو الأخرى، وبين وظائفها وحلل الفوارق الرئيسة بين هذه المؤسسات، ومثيلاتها القائمة على مبدأ الفائدة الربوية. وتتلخص هذه الفوارق فيما يأتي: 1. لا يشكل إلغاء الربا الفارق الأول والأساسي بين المصارف التجارية التقليدية الربوية، والمصارف الإسلامية اللاربوية، بل هناك فوارق رئيسة أخرى لا تقل عنه أهمية. 2. تختلف أهداف المصارف الإسلامية، عن أهداف البنوك التقليدية، فهي تستخدم الودائع كافة التي ترد عن الجمهور لخدمة المصلحة العامة وتحقيق أهداف الإسلام الاقتصادية والاجتماعية، وليس همها فقط زيادة أرباحها إلى أقصى حد ممكن. 3. إن المصارف الإسلامية مصارف شاملة ومتعددة الأغراض، وليست مصارف تجارية محضة. فهي تتعاطى النشاطات التجارية والأعمال الأخرى. 4. من المفترض أن تكون المصارف الإسلامية أكثر حذراً من المصارف الربوية في تقويم الطلبات المقدمة إليها لمنح التمويل بالمشاركة. فلا يمكنها مثلاً دعم القروض بالضمانات وعدم المشاركة في المخاطر. وبالتالي عليها أن تكون أكثر انتباهاً في معاملاتها، وأن تلتزم القواعد الصحية في عملية الاقتراض، وأن تزيل كل ممارسات الاقتراض غير المرغوب فيها. 5. إن المشاركة في الربح والخسارة تؤدي إلى إقامة علاقات أوثق بين المصارف وأصحاب المشاريع، وهي الصفة المميزة للمصارف المتعددة الأغراض. وبالتالي يمكن للمصرف الإسلامي أن يقوم بوظيفة الخبير الفني ومستشار التسويق، وأن يكون المنشط لعملية التنمية. ولما كانت المصارف الإسلامية تعمل في إطار المشاركة في الربح والخسارة، فإن الربح يجتذبها أكثر من الضمان. ولهذا فإنها أكثر استعداداً للبحث عن الموهبة والابتكار، والكفاءة الواعدة بدلاً من البحث عن مجرد الضمان. وحتى ترتفع بأرباحها إلى أعلى حد ممكن في إطار قيم الإسلام، قد تكون هذه المصارف أكثر استعداداً لتمويل أصحاب المشروعات الواعدة بربح أعلى. أشكال التمويل بالمشاركة ثم ينتقل المؤلف بعد ذلك إلى شرح أهم أشكال التمويل الإسلامي المجتمع عليها في المصارف الإسلامية، وهي أشكال قائمة على أساس المضاربة أو الشركة المساهمة. فالمضاربة -في المفهوم الإسلامي- شكل من أشكال الشركة تختلف عن معنى المضاربة المالية بالمفهوم الاقتصادي الحديث- يقدم فيها أحد الطرفين المتعاقدين -ويسمى صاحب المال أو رب المال- قدراً محدداً من رأس المال، بينما يقدم الطرف الآخر -ويسمى المضارب (المنظم)- التنظيم والإدارة للقيام بأي مشروع بهدف تحقيق الأرباح.4 أما في حالة الشركة فهناك نوعان: شركة ملك وشركة عقود. وتنطوي شركة الملك على وجود ملكية، وتنشأ حينما يقوم شخصان أو أكثر بامتلاك أحد الأصول ملكية مشتركة دون وجود اتفاق مشاركة رسمي، كالميراث أو منحة أرض أو عين تقبل أو لا تقبل التقسيم. وشركة الملك نوعان: اختيارية وجبرية. وبالمقابل فإن شركة العقود مشاركة صحيحة لأن الطرفين يدخلان بإرادتهما في اتفاق تعاقدي للاستثمار المشترك واقتسام الأرباح والمخاطر. وكما هو الحال في المضاربة، يمكن توزيع الأرباح بنسبة عادلة يتفق عليها الطرفان. أما الخسائر فيمكن اقتسامها حسب نسبة مساهمة كل شريك في رأس المال. وتنقسم شركة العقود في كتب الفقه إلى أربعة أقسام هي: المفاوضة (سلطة والتزام كاملان)، والعنان (سلطة والتزام مقيدان) والأبدان (عمل ومهارة وإدارة)، والوجوه (شهرة وسمعة ائتمانية وعلاقات). وهذه الشركات ما هي –بداهةً- إلا نماذج نظرية. فمن الناحية العملية قد يسهم الشركاء بالمال وبالعمل وبالإرادة والمهارات والائتمان والشهرة أيضاً ولو تفاوت مدى إسهام كل منهم. أما شركة المساهمة فهي شكل حديث من أشكال تنظيم العمل، ولها كيان قانوني مستقل، وبالتالي فهي لا تظهر في أي بحث فقهي قديم. غير أن أقرب شكل لها هو بيت المال والمسجد والوقف وشركة المفاوضة. وقد اتفق الفقهاء المعاصرون على جواز شركة المساهمة عموماً استناداً إلى أصول الفقه من قياس واستحسان ومصلحة مرسلة. ولشركة المساهمة ميزات مهمة منها: - المسؤولية المحددة لحملة الأسهم. - قابلية الملكية للتقسيم والانتقال. - غياب الاعتبار الشخصي بين حملة الأسهم. تمتع الشركة بكيان قانوني مستقل عن المساهمين فيها. إن شركة المساهمة يمكن أن تؤثر تأثيراً مهماً في الاقتصاد الإسلامي المتحرر من الربا. وهي في الواقع مزيج من شركة المضاربة وشركة العِنان. هذا وهناك أشكال أخرى للاستثمار منها التمويل التأجيري، والمزاد الاستثماري، والبيع المؤجل، وبيع المرابحة. السياسة النقدية يرى شابرا أنه، في أي اقتصاد إسلامي، ينشأ الطلب على النقود أساساً من الصفقات والاحتياجات الاحتياطية التي يحددها، بدرجة كبيرة، مستوى الدخل النقدي وتوزيعه. أما في الاقتصاد الرأسمالي فينشأ الطلب المضاربي على النقود من تقلبات سعر الفائدة. فهبوط معدلات الفائدة إذا اقترن بتوقعات تنبئ بارتفاعها يغري الأفراد والمنشآت بزيادة موجوداتهم النقدية. كما أن إلغاء الفائدة في الاقتصاد الإسلامي وفرض الزكاة بمعدل 2.5% سنوياً لا يوديان فقط إلى تخفيض الطلب المضاربي على النقود والحد من الأثر المانع لمعدلات الفائدة، بل يؤدي أيضاً إلى زيادة الاستقرار في الطلب الكلي على النقود. لذلك كله فإن السياسة النقدية ذات وظيفة مهمة للمساعدة على تحيق مقاصد الاقتصاد الإسلامي. وعليه فهي تصاغ على أساس الكتلة النقدية وليس على أساس معدلات الفائدة. وقد بدأ التوجه إلى هذه القاعدة حديثاً حتى في الاقتصاديات الرأسمالية، حيث أعرضت بعض بلدان "منظمة التعاون والإنماء الاقتصادي" عن استخدام أسعار الفائدة أهدافاً وسيطة للسياسة النقدية، متجهين إلى المعايير الكمية لنمو الكتلة النقدية. فقد بدا جلياً أن المناورة بأسعار الفائدة لم يثبت في جميع الأحوال أنها طريقة مرضية لتحقيق الانضباط النقدي أو الاستقرار في التوسع النقدي في ظل الظروف التوسعية. وترتكز الاستراتيجية الإسلامية في نظر المؤلف على توجه السياسة النقدية إلى توليد نمو في عرض النقود مناسب لتمويل النمو الممكن في الناتج الوطني في الآجال المتوسطة والطويلة في إطار الأسعار المستقرة وأهداف الإسلام الاجتماعية والاقتصادية الأخرى. والغاية من ذلك هي المحافظة على توسع نقدي مناسب وليس مفرطاً، بل هو كاف للاستغلال الكامل لقدرة الاقتصاد على عرض السلع والخدمات، لتحقيق الرفاهية العامة ونشرها على نطاق واسع. وللتأكد من أن النمو النقدي مناسب وليس مفرطاً، لا بد من مراقبة المصادر الرئيسة للتوسع النقدي وهي: "العُجُوز" المالية، أي تمويل الموازنة الحكومية الاقتراض من المصرف المركزي، وودائع المصارف التجارية، وفائض ميزان المدفوعات. وفي أغلب الدول الإسلامية التي تعاني من مثل هذه "العجوز" المالية، فإن التوسع النقدي غير الصحي مع الاستهلاك المظهري التفاخري في القطاعين العام والخاص، هو الذي يولد الخلل في ميزان المدفوعات، وهو أمر لا يمكن القضاء عليه دون إصلاح اقتصادي واجتماعي عميق وسياسات نقدية ومالية منبثقة من التعاليم الإسلامية. أدوات السياسة النقدية في اقتصاد إسلامي تعتمد السياسة النقدية في اقتصاد إسلامي على مجموعة من الأدوات والآليات التي لا تساعد فقط في تنظيم عرض النقود بما ينسجم مع الطلب الفعلي عليها، ولكنها تساعد أيضاً على سد الحاجة إلى تمويل العجز الحقيقي للحكومة، وتحقيق الأهداف الاجتماعية والاقتصادية للمجتمع الإسلامي، وتتمثل هذه الأدوات في الأمور الآتية: 1. النمو المستهدف: لا بد من تحديده سنوياً في ضوء الأهداف الاقتصادية الوطنية الممكن تحقيقها. ويتعين مراجعة هذه الأهداف دورياً كلما كان ذلك ضرورياً في ضوء أداء الاقتصاد واتجاه المغيرات المهمة فيه. 2. نصيب الجمهور من الودائع الحالة (تحت الطلب) لدى المصارف: يقترح المؤلف ضرورة تحويل نسبة معينة من هذه الودائع (25% مثلاً) إلى الحكومة لتمكينها من تمويل المشاريع ذات المنفعة الاجتماعية. 3. مطلب الاحتياطي النقدي النظامي: يطلب من المصارف التجارية الاحتفاظ بنسبة10 إلى 20% من ودائعها الحالة لدى المصرف المركزي في شكل احتياطات نقدية نظامية. 4. السقوف الائتمانية: لا بد من تحديد سقوف لائتمان المصارف التجارية للتأكد من أن خلق الائتمان بمجموعه يتماشى والأهداف النقدية. 5. تخصيص الائتمان تخصيصاً قيمياً بما يتماشى والقيم الاجتماعية. 6. مجموعة من الأدوات الكمية والنوعية الأخرى، مثل شراء الأسهم وبيعها، وشهادات المشاركة في الربح والخسارة لتحل محل السندات الحكومية في عمليات السوق المفتوحة، ونسبة إعادة التمويل، ونسبة الاقتراض. يتضح من التحليل السابق أن النظام النقدي والمصرفي الإسلامي -الذي يعد إلغاء الربا أحد عناصره الضرورية- يعمل من أجل المصلحة الاقتصادية الكبرى، ألا وهي تحقيق العدالة الاقتصادية والاجتماعية، والتوزيع العادل للدخل والثروة، كما يسعى إلى القضاء على المظالم مهما كان مصدرها. لذلك فهو لا يهتم فقط بالإنسان بوصفه فرداً بل يهتم كذلك بالمجتمع وبالمؤسسات التي تؤثر في سلوكه. وإذ يعترف الإسلام بالحرية الاقتصادية للأفراد والشركات، إلا أن هذه الحرية ليست مطلقة، فلا حرية لتدمير آداب المجتمع أو إضعافها، أو إيذاء الآخرين. وعلى هذا يجب على الدولة أن تنهض بوظيفة مهمة: وظيفة التعليم والتثقيف والتوعية، والحث على ممارسة الفضائل، ونبذ كل أشكال الانحراف والرذيلة. فليست الدولة الإسلامية دولة، شرطة ولا هي دولة "دعه يعمل دعه يمر". إن إبطال الفائدة يزيل آفة الظلم بين الممول وصاحب المشروع وذلك بتوزيع عادل للعائد. إن الفائدة مؤذية سواء كانت مرتفعة أو منخفضة. فإذا كان معدلها مرتفعاً أعاق أصحاب المشروعات، وأعاق الاستثمار والتكوين الرأسمالي، وأدى هذا في النهاية إلى هبوط الإنتاجية، وتقلص فرص العمل، وتراجع معدلات النمو. وإذا كان معدلها منخفضاً كانت عقاباً للمدخرين ولا سيما الصغار منهم، وأسهمت في تفاوت الدخول والثروات كما ينتعش اقتراض القطاعين العام والخاص من أجل نفقات الاستهلاك، وتزداد الضغوط التضخمية، وتنشط بالتالي الاستثمارات غير المنتجة، وعمليات المضاربة، والإفراط في التكنولوجيا المستغنية عن العمال بما يزيد من معدل البطالة. إن الحل الوحيد هو إبطال الفائدة، وإعمال المشاركة في الربح والخسارة، والتوزيع العادل للعائد بين الممول وصاحب المشروع، وتحمل المخاطرة الكلية في الاستثمار. كيف الانتقال؟ ومن الخطأ التفكير بأن الانتقال من النظام النقدي الربوي إلى النظام الإسلامي القائم على المشاركة، يتم بضربة واحدة أو خلال مدة قصيرة جداً. فمثل هذه المحاولة من المحتمل بل من الراجح أن تخنق الاقتصاد كله، وتسبب ضرراً عظيماً للمجتمع ومن ثم للإسلام نفسه. فعملية الانتقال يتعين أن تكون تدريجية، وعلى مراحل، خلال مدة كافية ومعقولة لا يجوز أن تطول بلا مبرر. هذا ويرسم المؤلف منهجية الانتقال والخطوات الواجب اتخاذها لتحويل النظام النقدي والمصرفي التقليدي إلى النظام الإسلامي على النحو الآتي: 1. الإعلان عن عدم مشروعية الفائدة، وإعطاء فترة إمهال يسمح خلالها بوجودها على أنها شر لا بد منه. 2. تغيير طابع الاقتصاد في المعتمد على القروض، وذلك بالطلب من المنشآت الفردية والشركات التجارية أن تزيد تدريجياً نسبة رأس مالها في تمويلها الكلي، وأن تقلل من اعتمادها على القروض، وتحويل الشركات الكبيرة إذا اقتضى الأمر إلى شركات مساهمة. كل ذلك من شأنه تحويل هيكل الاقتصاد من الاعتماد على التمويل بالقروض إلى التمويل بالمشاركة. 3. إصلاح النظام الضريبي، لتجنب هروب رأس المال، واجتذابه إلى الاستثمار المنتج، وتفادي الاستهلاك التبذيري. 4. إن تشجيع سياسة التمويل بالمشاركة تساعد على تعبئة الأموال الراكدة، وتمنع الاكتناز، وتتيح للمستثمرين فرصاً جديدة لاستخدام مدخراتهم استخداماً منتجاً. وهذا من شأنه الحد من تركيز الثروة. 5. إعادة تنظيم سوق الأسهم على أساس إسلامي غير "مضاربي"، بحيث تتغير قيم الأوراق والأسهم تغيراً رشيداً طبقاً لما تمليه العوامل الاقتصادية، وليس على أساس متقلب تحت تأثير قوى المضاربة غير الرشيدة. 6. إحياء مؤسستي الزكاة والعشر وتنظيمهما تنظيماً ملائماً، واتخاذ الترتيبات المؤسسية لتقديم المساعدة للذين ليس بوسعهم تحمل الأسعار الواقعية عندما تتم عملية تحويل مشاريع القطاع العام القابلة للتسعير التجاري إلى وضع يخفف من عبئها على الخزانة العامة (أي خصخصتها). ومبادلة الأسهم الصادرة بهذه الطريقة بالسندات الربوية استثناء. 7. إزالة الفائدة من مؤسسات الائتمان (التسليف) المتخصصة التي تشرف عليها الحكومة. 8. التحويل التدريجي للمؤسسات المالية الربوية كافة إلى مؤسسات مشاركة في الأرباح، دون استثناء أي مصرف من المصارف محلياً كان أم أجنبياً، لأن ذلك يؤدي إلى تخريب النظام كله. ويتمثل الطريق الأفضل لإنجاز هذا التحول في تمكين جميع المؤسسات المالية من تخفيض أصولها وخصومها الربوية بنسبة معينة، وزيادة أصولها وخصومها المشاركة في الربح والخسارة زيادة مقابلة، حتى يتم التحول الكامل خلال عدد متفق عليه من السنين. 9. الشروع في إنشاء عدد من المؤسسات المالية المساعدة لتسهيل توظيف أموال القطاع الخاص، ودعم عمليات المصارف التجارية. وتقوم هذه المؤسسات بمهمة الوسيط لمساعدة المدخرين على إيجاد طرق مربحة لمدخراتهم أو استثماراتهم، وكذلك بالمساهمة مع المصارف التجارية ومصافق الأوراق المالية بتكوين سوق مالية فعالة في الاقتصاد الإسلامي. تلك هي أهم الخطوات الضرورية التي يقترحها محمد عمر شابرا لتأسيس النظام المصرفي الإسلامي. ويتعين ألا تبذل أي محاولة للإلزام بتحقيق الأهداف على عجل، لأن البطء مع الثبات والنجاح خير من العجلة مع الإخفاق. ويلفت المؤلف الانتباه إلى أن العائق الرئيس في طريق التحول الإسلامي هو الديون الربوية الثقيلة الداخلية والخارجية، وإلى أن تحرر المجتمع الإسلامي من دين القطاع العام المفرط يستغرق وقتاً قد يطول، ولا يمكن أن يتم دون إصلاح شامل للجهاز الحكومي كله، ودون التقليل من كل أشكال الفساد والتبذير إلى أدنى حد ممكن. وهذا يتطلب تضحية من الجميع. ملاحظات ختامية يتبين مما تم عرضه، أن الكتاب الذي بين أيدينا مساهمة شاملة ومتميزة لتطوير نموذج إسلامي في المجال النقدي والمصرفي. وقد أسهم المؤلف في رفع مستوى الحوار الدائر حول الاقتصاد النقدي الإسلامي، وذلك بتحليله الصارم لبعض المفاهيم الرئيسية، وتقويمه الناقد لبعض الأفكار الجديدة التي تم تطويرها في الممارسة المصرفية، وبمناقشته لبعض الاقتراحات الواردة في تقرير مجلس الفكر الإسلامي في الباكستان، وبعرضه بعض الآراء والمقترحات الجديدة الخاصة بالسياسات النقدية. ومع ذلك، لا تزال بعض المواطن تحتاج إلى مزيد من البحث والتطوير، وخاصة فيما يتعلق بالأسواق المالية والتطورات الكبيرة التي تشهدها هذه الأسواق، وتأثيرها على الهياكل والمجاميع الاقتصادية، وكذلك قضايا العلاقات النقدية الدولية، وكيفية تطهيرها من الربا وأشكال الاستغلال الأخرى ومشكلة المديونية الخارجية وكيفية التخلص منها، وتجنب انعكاساتها على السياسة النقدية المحلية. وفضلاً عن ذلك، يحتاج هذا الجهد الكبير إلى مزيد من التطوير على المستوى العملي التطبيقي، ولا يمكن تطبيق فاعلية هذه الإجراءات والمعالجات النظرية على كل اقتصاديات البلدان الإسلامية، التي تتباين أوضاعها حسب درجة النمو والاستقرار، والإمكانيات المتفاوتة، ودرجة التبعية الاقتصادية والمالية للخارج. ولا شك في أن تنـزيل هذه الدراسة على الواقع بحاجة إلى تطوير إضافي حسب الحالة والبلد، ومدى توفره على شروط الانتقال من النظام التقليدي القائم على الفائدة إلى النظام الإسلامي القائم على المشاركة، أو عدم استيفائه لتلك الشروط. وعلى الرغم من كل ذلك، تبقى ميزة الكتاب في كونه أول دراسة علمية شاملة لأهداف النظام النقدي الإسلامي ومؤسساته وعملياته، وهو عمل يدحض كل الشكوك، ويبطل كل المخاوف التي تنظر إلى قضية إلغاء الربا من الاقتصاد على أنها قضية وهمية أو مستحيلة، وأن الاقتصاد اللاربوي إنما هو ضرب من الأسرار التي تأتي بها الأديان ولا تقبلها العقول. فهذا الكتاب هو إجابة علمية منهجية على هذه الشكوك والشبهات التي يحاول خصوم الإسلام وأبناؤه المهزومون إلصاقها به ليتم إقصاؤه من إدارة شؤون الحياة. إن إلغاء الربا مسألة ليست مستحيلة إذا أريد لهذه الأمة وللبشرية جمعاء التخلص من الحيف الاقتصادي والظلم الاجتماعي. | |
|
| |
|